عند التفكر في أنفسنا سنرى آيات الله في كل شئ ابتداءً من الخلية وانتهاءً بكل أجهزة الجسم المختلفة، هذه الخلايا يجمعها الله مع بعضها البعض لتؤدي وظيفة النسيج، ويضم النسيج إلى نسيج آخر بجواره وإلى ثالث و رابع بإذن الله لإنشاء عضو من الأعضاء في جزء من أجسامنا.
وجعل الله لتلك الأنسجة أشكالًا خاصة ومواد خاصة وأماكن خاصة لتؤدي الوظيفة التي قدرها الله لها، وتجتمع تلك الوظائف لتلك الأعضاء لتؤدي وظيفة أكبر، هي وجود كامل كيان الإنسان على هذه الأرض.
الجهاز العظمي في جسم الإنسان:
قال تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا…}.. (البقرة: 259). إذا نظرنا إلى الجهاز الهيكلي العظمي سنجد أنه يتكون من 206من العظام، وهو قسمان:
1) الهيكل العظمي المحوري، وبه ثمانون عظمًا، ويشمل (عظم الجمجمة - العظم اللامي - عظم العمود - عظام القص - عظام الأضلاع).
2) الهيكل العظمي الزائدي، وبه 126عظمًا، ويشمل (عظام الطرف العلوي- عظام الطرف السفلي - الأحزمة التي تربط هذه العظام بالهيكل المحوري).
وهذه العظام تختلف في الجسم من حيث طولها وشكلها وحجمها وتركيبها وأنواعها وهي:
1) عظام طويلة: كالعضد والساعد والفخذ والساق.
2) عظام قصيرة: كعظام الكاحل وعظام المعصم.
3) عظام مسطحة: كعظام الجمجمة وعظام الأضلاع والكتف.
4) عظام غير منتظمة: كالفقرات وبعض عظام الوجه.
5) عظام صغيرة: كالعظام داخل أوتار العضلات، وعظام الركبة، (صابونة الركبة).
كل هذه العظام لا نجد فيها عظمًا يمكن أن يصلح بدلًا من عظم، وكل عظم له وظيفة خاصة لا يمكن أن يقوم بوظيفته عظم آخر، ولا أن يوضع في مكانه، فلكل واحدٍ منها شكل خاص وحجم خاص وتركيب خاص، قد أحكم مع وظيفته، فالعظم الذي يكون الجمجمة يتناسب مع وظيفته في حفظ المخ، ولا يمكن أن يكون عظم الحوض بدلًا منه.
والعمود الفقري يتناسب مع وظيفته في حفظ النخاع الشوكي وتحريك الجذع بزوايا معينة ولا يمكن أن يحل محله عظم الساق ذو القطعة الواحدة غير القابلة للانثناء.
وإذا نظرنا إلى الجمجمة فسنجد أنها من أقوى العظام لكي تحمى المخ الذي هو جسم هلامي لا يتحمل الضغط والصدمات، فلو تعرض لها فقد يؤدي ذلك إلى تلف في مركز من مراكزه. أو شلل في أي عضوٍ من الأعضاء.
فالذي خلق العظام وركبها عليم بكل عظمٍ وبمكانه وبوظيفته وبحجمه وشكله المناسب وتركيبه من مادته المناسبة، وهو حكيم خبير أحكم كل شئ، ووضع كل شئ في مكانه، وجعله متناسبًا متوافقًا مع ما يحيط به من الأنسجة والأعضاء.
ونلاحظ أن زاوية أعلى الفخذ في كل إنسان تساوي 125 درجة، ولو زادت أو نقصت درجة واحدة لأدت إلى عرجة في السير، فسبحان المريد الذي قدر واختار الزاوية الصحيحة للسير من بين سائر الزوايا لتؤدي الوظيفة المطلوبة للسير السوي، تلك الإرادة الواحدة التي تتجلى في تقدير زاوية أعلى الفخذ في كل إنسان. ونجد أن الخالق جل وعلا قد جعل الجمجمة حفظًا لأجزاءٍ أخرى غير المخ، فقد حفظ بها الأذن، حيث نشاهد قناة الأذن غير مستقيمة، وهذا يمنع دخول أي جسم حادٍ لصد عظام الجمجمة له.
فتلك آية تدل كما تدل الآيات الكثيرة على أن الخالق عليمُ بالأجزاء الضعيفة في الجسم، فحفظها بالهيكل العظمي القوى، فسبحان الحفيظ العليم الرحيم.
ولما كانت الجمجمة في أعلى الجسم فقد ركبها الله بطريقة تحقق فيها الخفة في الوزن بالرغم من قوتها وصلابتها فجعل لها تجاويف كثيرة ونسيجًا عظميًا مناسبًا يحقق تلك القوة والخفة في الوزن معًا، فسبحان الخبير العليم.
ولما كان المخ هو مركز القيادة لسائر أجزاء البدن، ولابد أن يتصل بتلك الأجزاء للإرسال والتلقي فقد جعل الخالق العليم فتحات مناسبة عديدة في قاع الجمجمة تسمح بمرور الأعصاب والأوعية الدموية، وأكبر هذه الفتحات هي تلك التي يمر بها النخاع الشوكي من الجمجمة إلى العمود الفقري.
جمجمة الطفل: وفي تركيب الجمجمة في مرحلة الطفولة آيات أخرى، فهي مركبة من اثنين وعشرين عظمًا ذات حركة موضعية، وتصبح بعدها عديمة الحركة.
وتكون المفاصل واضحة جدًا في جمجمة الطفل، ولا تلتحم عظام الجمجمة إلا بعد شهرين من مولد الطفل، كما توجد مناطق رطبة تسمى اليافوخ الأمامي واليافوخ الخلفي، فاليافوخ الخلفي يلتئم فيما بين الشهر السادس والتاسع بعد الولادة، ويلتئم اليافوخ الأمامي فيما بين الشهر الثامن عشر والرابع والعشرين بعد الولادة.
ولهذه الأسرار وغيرها حكم عظيمة لم تعرف إلا بعد تقدم الطب، ومنها: إن حجم جمجمة الطفل يكون أكبر من فتحة عظم حوض الأم التي يخرج منها الطفل بعد الولادة.
فمن آثار رحمة الله ولطفه أن تكون جمجمة الطفل لينة، وعظامها غير ملتحمة لكي يحصل تغيير في حجم الرأس وشكله، فيساعد ذلك على خروج الطفل، كما أن جزءًا من مفاصل حوض الأم تتحرك إلى الخلف بفعل أنزيم خاص يفرز، فتتم عملية الولادة بسهولة ويسر، وإلا لامتنع خروج الطفل أثناء الولادة، فانظر إلى ألطاف الحكيم الخبير القائل: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}.. (عبس:20).
ولولا ذلك اللطف الإلهي والإحكام البديع لما تمكنت امرأة أن تضع مولودها إلا بعملية جراحية.
وقد حمى الله الحبل الشوكي الذي يمثل الحزمة العصبية المارة من الدماغ القائد المسيطر على حركات الجسم إلى سائر أجزاء الجسم بعمودٍ مكون من فقرات عظمية، بين كل فقرة وأخرى طبقة من الغضاريف اللينة تمكن الإنسان من الحركة والانثناء دون أن يحدث أي قطع في النخاع الشوكي أو تمزيقٍ لأي عصب.
فانظر إلى الحكمة البالغة في خلق عمودٍ عظميٍ قابل للانثناء، حامٍ في الوقت نفسه لما بداخله من أعصاب تحرك الجسم كله.
وقد جعل الله هذه الفقرات بأحجامٍ تتناسب مع ما تحمله من أثقال الجسم، فكلما كان موضع الفقرة إلى أعلى كان الثقل الذي تحمله من الجسم أقل فيصغر حجمها، وكلما اتجهنا في العمود الفقري إلى أسفل أزداد حجم تلك الفقرات وازدادت قوتها وصلابتها، حتى نصل إلى عظام العجز الملتحمة مع بعضها والمتصلة بالحوض الذي يعد قاعدة عظمية عريضة لحمل ما فوقه.
ثم تأتي بعد ذلك عظام العصعص التي تعين على اتزان الجسم عند الجلوس وهي عظام صغيرة ملتحمة.
وقد جعل الله فتحات في هذه الفقرات تخرج منها الأعصاب المتصلة بالعضلات في كل منطقة من مناطق الجسم، وأي ضغطٍ على هذه الأعصاب يؤدى إلى آلامٍ كالآم الانزلاق الغضروفي أو مرض عرق النَسَا.
فسبحان العليم الكافي المحيط بحاجة كل عضلةٍ وما تحتاج إليه من الأعصاب.
وإذا أخذنا مقطعًا عرضيًا لهذه العظام فسنجدها تختلف في خلاياها بعضها عن بعض ليمكنها ذلك من أداء وظيفتها بكفاءة، فالخلايا في فقرات نهاية العمود الفقري مكدسة وكأنها قواعد إسمنتية مصبوبة، بينما التي في الأعلى خفيفة، وفي الجمجمة نجد المسافة بين الخلايا كبيرة لأنها لا تحمل أية ثقل، ولكنها صلبة وخفيفة لتتحمل الصدمات.
بينما نجد الفقرات مصممة لتحمل الأثقال، ولكنها هشة لا تتحمل الضربات، وإذا تعرضت لضربة فإنها تتفتت.
إن اختلاف التركيب الميكروسكوبى لهذه العظام له حكمة عظيمة من الخالق سبحانه لكي يؤدى كل عظمٍ وظيفته وعمله وحركته. إن هذه الحركة كانت تعد لك وأنت لا تزال جنينًا في بطن أمك، فقد ركب الله سبحانه لك ذلك واعده ووضع كل عظمٍ في مكانه وسواه وربطه في الذي يليه حتى يؤدي كل جزء وظيفته و ضم كل وظيفة إلى وظيفة أخرى لتؤدي وظيفة أكبر.
فعدد من العظام تؤدي وظيفة، اليد لتعمل وتتحرك وعدد من العظام تؤدي وظيفة الرأس في المراقبة والمشاهدة، وعدد من العظام تؤدي وظيفة الحركة والسعي والسير ونقلك من مكان إلى مكان وهي وظيفة القدم، وعدد من العظام تؤدي وظيفة الحماية كحماية العين أو حماية المخ أو حماية القلب والرئتين.
هذا كله يشهد أن الذي أنشز العظام وكونها وركبها يعلم وظيفة كل عظم منها والتكوين الذي يناسب تلك الوظيفة والدور الذي سيقوم به. كل ذلك ونحن لا نزال أجنة في بطون الأمهات.
تصميم القفص الصدري:
ولما كان الصدر يحوي أجهزة مهمة رئيسة تتوقف عليها الحياة مثل القلب والرئتين فقد حمى الله هذه الأجهزة بقفص عظمي تكسوه العضلات القوية، وجعله مرنًا قابلًا للتوسع مع حركات الهواء دخولًا وخروجًا، فانظر إلى آيات ربك الحفيظ العليم كيف حفظ كل جهاز بما يناسبه من وسائل الحفظ.
من آيات الله في المفاصل:
أنواع المفاصل من حيث الحركة:
1- مفاصل ثابتة (لا تسمح بالحركة كمفاصل الجمجمة).
2- مفاصل ارتفاقية (قليلة الحركة كمفاصل العمود الفقري).
3- مفاصل متحركة (فيها مجال واسع للحركة).
ومن حيث التركيب فهي:
1) مفاصل ليفية
2) مفاصل غضروفية
3) مفاصل زلالية.
ولو أن الله جعل الهيكل العظمي قطعة واحدة من العظام لا مفصل فيها لما استطاع الإنسان أن يقوم بحركة واحدة، فتتعطل صلاحيته للحياة على الأرض، لكن الله ركبه من عظامٍ كثيرة، وجعل بين كل عظمين مفصلًا يكون محورًا لتلك الحركة، وهيأ كل مفصل بتركيب خاص يتلائم مع شكل العظام المتصلة ووظيفتها وقوة الحركة التي تحدث فيها واتجاهات تلك الحركة، وبطن تلك المفاصل بغضاريف ملساء، وزودها بمادة زلالية لزجة تسهل الحركة، وتمنع الاحتكاك والتآكل في تلك العظام. وتزول هذه السهولة في الحركة عند التهاب المفاصل.
الجهاز العضلي:
وعلى الرغم من الإحكام الدقيق في خلق العظام ومفاصلها، فإنها ستبقى ساكنة في مواضعها لا تتحرك إلا بقوة تحركها مناسبة لاتجاهات الحركات الممكنة لكل عظم، مثل القبض والبسط أو الضم إلى الجسم، أو الابتعاد عنه، أو التدوير والدوران.
فلا يمكن أن تكون العضلات المناسبة في أماكن القبض والبسط هي عضلات الدوران، أو الإبعاد، كما لا يمكن أن تكون وظيفة عضلات القبض في اليد هي المناسبة لوظيفة القبض في الرجل، ولا يمكن أن تكون عضلات التدوير للرأس هي المناسبة لتدوير الجذع بأكمله.
فكل عضلة قد خلقها الذي أنشأها في المكان الصحيح بالحجم الصحيح لأداء الوظيفة الصحيحة.
فانظر إلى الإحكام بين موقع العضلة وتركيبها وحجمها وبين الوظيفة التي تؤديها، وانظر إلى تناسبها مع العظام ومفاصلها لترى آثار صفات الحكيم الذي أحكم الخلق والوظيفة، والعليم الذي علم ما يناسب الحركة من العظام والمفاصل والعضلات، وإرادة المريد الذي قدر وحدد الحركة المطلوبة للإنسان، وقدر ما يناسبها من العظام والمفاصل والعضلات والأعصاب، وهداية الذي هدى العظم وأنشزه في موقعه المحدد المناسب من سائر أجزاء الجسم، وهدى العضلات لتكسو كل عظم بما يناسبه منها ولكل عضلة ما يناسبها من الأوتار التي تربطها وتثبتها بالعظام، فنرى ذلك الجسم الممشوق المتماسك الذي لا يتناثر مع الحركات. فسبحان الحافظ الحكيم.
إن عدد عضلات الجسم يصل إلى سبعمائة عضلة وهي أنواع منها ما هو إرادي يتحكم فيه الشخص بإرادته، فيقبضها ويبسطها متى ما يريد، ويحركها كيف ومتى شاء. ومنها ما هو غير إرادي يحرك أجهزة الجسم التي لابد من استمرار عملها في حال النوم واليقظة والشغل والفراغ، ولم يكلف الإنسان مسئولية عملها وتحريكها ومشقة تشغليها باستمرار.
فانظر إلى آثار الرحمة الإلهية واللطف الإلهي بعباده الذي يكلؤهم بالليل والنهار بلطيف تدبيره وبديع خلقه وعظيم رعايته.
وتأمل ما يحصل لمن انقطع تنفسه أو توقفت نبضات قلبه في غرف العمليات والإنعاش، وكم من الأجهزة يحتاج إليها لتحافظ على استمرار نبضات قلبه وتنفس رئتيه في ذلك الوقت المحدود لبقائه في غرفة العمليات، أو غرفة الإنعاش.
وقد خلق الله العضلات قابلة للانقباض والانبساط وليس ذلك من خصائص العظام، فإذا انقبضت العضلات قصرت المسافة بين طرفيها فتحركت العظام المرتبطة بتلك الأطراف، وإذا انبسطت ارتخت العضلة وأصبح من الممكن أن يعود العظم إلى مكانه الذي تحرك منه بانقباض عضلة أخرى في الاتجاه المعاكس، فكل حركة تحكمها عضلتان أو عدة عضلات، فواحدة تنقبض فتحرك العظام في اتجاه معين بينما الأخرى تنبسط لتسمح لذلك الانقباض. فإذا أراد الإنسان عودة العظام إلى أماكنها حدث العكس، فتنقبض العضلة التي انبسطت وتنبسط العضلة التي انقبضت.
ولو شدت العضلات جميعًا لتعطلت حركة الجسم. ولقد جعل الله جهازًا عصبيًا مغذيًا لألياف تلك العضلات، فتصدر الأوامر من مركز في المخ يدير تلك الحركات، وينسقها وفق برنامج دقيق محكم يمنع التعارض بينها، ومن ذلك ما نشاهده في حركات العين، فإذا اتجهت إحدى العينين إلى جهة ما فلابد أن تتحرك عضلات العين الثانية لتوجه تلك العين إلى نفس الجهة، ولو اتجهت العينان إلى جهتين مختلفتين لتكونت صورتان تشوش كل منهما على الأخرى.
فمن علّم مركز الحركة المغروس في وسط خلايا المخ الأوامر الصحيحة التي يجب أن تصدر منه إلى كل عضله لتحرك أعضاء الجسم الحركة المتزنة الصحيحة؟!
ومن أنشز العظام وكساها باللحم وغذاها بالأعصاب وربطها بمركز الحركة في المخ، والإنسان لا يزال جنينًا في بطن أمه لا يعرف شيئا عن الحركات التي سيحتاج إليها في مستقبل أيامه على سطح الأرض؟ إنه الله الحكيم الودود العليم الهادي اللطيف الخبير سبحانه.
وتقوم العضلات بإذن الله بتحريك جسم الإنسان والمحافظة على وضعه في كل حال من أحواله عند القيام والجلوس والقعود والحركة أو القفز في الهواء أو الغوص في الماء.
هذا والعضلات مخازن الطاقة التي تنطلق منها عند حاجة الجسم إليها، فتنتج 85% من حرارة الجسم بميزان محكم يبقى درجة حرارة الجسم ثابتة عند (37ْم) رغم تقلبات حرارة الجو الخارجية.
فمن خزن تلك الحرارة لتسد حاجة الجسم؟ ومن يطلقها إلى الجسم بمقادير محددة تتناسب مع تقلبات حرارة الجو المختلفة في الفصول الأربعة لتكون ثابتة عند الدرجة الصحيحة اللازمة لتفاعلات كيمياء الحياة؟ ومن رتب ذلك؟
ومن علم حاجة الأجسام إلى ذلك التكييف الدقيق لحرارتها، فأعد كل ما تحتاج إليه عملية التكييف قبل أن يخرج الإنسان من بطن أمه؟ إنها آيات تدل على علم الخالق جل وعلا بمستقبل الأجنة، وقدرته على إيجاد التدابير اللازمة قبل وجود الحاجة إليها.
ولنا آية أخرى في الكساء العضلي المرن الذي يحفظ الله به العظام الصلبة التي تقيم الهيكل الآدمي فلا تتكسر العظام عند الاصطدام بالأجسام؛ لأن الكساء العضلي يقوم بامتصاص الصدمات وتخفيفها. فسبحان الحافظ الذي أحسن خلق الجسم وأتقن حفظه.
وقد يتعرض الجسم لخطر مفاجئ وقد يكون ذلك سببًا في تدميره أو فساد عمله، فجعل الله في العضلات وأعصابها قدرة على الاستجابة السريعة للتخلص من تلك الأخطار الحادثة، كما يحدث عند ملامسة النار لأي عضو من الجسم، أو عند انقباض الجفنين للإغماض إذا لامس قرنية العين جسم غريب، أو كما يحدث لحدقة العين من تضييق إذا تعرضت لضوء شديد، واتساعٍ إذا كان النور خافتًا، أو كما يحدث عندما يتعرض الجسم لآلة حادة تجرحه، أو جسمٍ مدببٍ يخترقه، فإن العضلات عندئذٍ تنقبض برد فعل عاكس سريع لا يتيح فرصة لنفوذ ذلك الجسم أو قطع تلك الآلة.
فسبحان الخالق الحكيم الذي أتقن الخلق وأبدعه،وأرانا آياته الدالة عليه في الآفاق والأنفس.قال ابن القيم رحمه الله: "ثم يفتح له (أي للعبد المؤمن) باب الشعور بمشهد القيومية. فيرى سائر التقلبات الكونية وتصاريف الوجود بيده سبحانه وحده. فيشهده مالك الضر والنفع، والخلق والزرق، والإحياء والإماتة. فيتخذه وحده وكيلا. ويرضى به ربًا ومدبرًا وكافيًا. وعند ذلك إذا وقع نظره على شئ من المخلوقات دله على خالقه وبارئه، وصفات كماله ونعوت جلاله. فلا يحجبه خلقه عنه سبحانه. بل يناديه كل من المخلوقات بلسان حاله: اسمع شهادتي لمن أحسن كل شئ خلقه. فأنا صنع الله الذي أتقن كل شئ ".
المصدر: كتاب (علم الإيمان) للشيخ عبدالمجيد الزنداني